دراسة التراث وتاريخ العلوم عند العرب والمسلمين، أمر لابدّ منه في مرحلة التحوّل التي تمر بها الأمة العربية. ذلك لأن اطلاع أبنائها على المنجزات العلمية التي حققها الأجداد في الماضي، لابدّ أن يكون باعثاً على الثقة في النفوس، وحافزاً لحث الخطى في طريق التقدم العلمي والتقني الذي نسعى لتحقيقه.
ومن واجب التراث علينا أن نتصدى بأنفسنا لكشف مكنوناته، ونشر روائعه، وإلقاء الضوء على مدى مساهمته في إغناء المعرفة والعلم خلال قرون عديدة، بعد أن ظل هذا العمل مقتصراً على المستشرقين الذين ينتمون إلى أمم مختلفة.
وفي مكتباتنا العربية العامة والخاصة كثير من المخطوطات القيّمة، والكتب النافعة التي لم تدرس حتى الآن، ولاسيّما في موضوع الطب والصيدلة وعلم النبات والتي كان لها سماتها، فأدت دوراً كبيراً في إثراء العلوم وبث روح الحياة. حيث كان يلتقي النبات والدواء في مسيرة واحدة لتأمين الغذاء النافع والدواء الناجع. لقد توافرت للعرب ثروة معرفيّة ولغويّة هائلة حين انصرفوا إلى الطبيعة، كغيرهم من الأمم التي سبقتهم، فوجدوا أن الأرض تزخر بالخيرات، من شجر وعشب وبقل وتابل وغذاء، فانصرفوا إلى "علم الفلاحة" ودراسة النباتات. وألّفوا في ذلك كتباً كثيرة لها أهميتها في ميادين علوم النبات والصيدلة والطب وغيرها. وكانت عنايتهم بأصناف النبات نابعة من حاجتهم إلى الغذاء والدواء معاً. وإلى التطيب بالعطور، وصناعة الصباغة والدباغة، وتركيب المواد الصيدلانية من جذور وقشور وثمار وبذور وأعشاب نباتات مختلفة. وهكذا أصبحت المعاجم العربية، والمؤلفات العلمية، غنية بكم وافر من الأسماء والمصطلحات النباتية، وضمَّت معارف العرب المسلمين القدماء في علمي الطب والنبات. فكانت مصدراً لمن ألف وكتب في المفردات النباتية والغذائية والدوائية. وهي كثيرة العدد نذكر منها: "كتاب النبات" لأبي حنيفة الدينوري(1) ت 282هـ-895م)، وكان من أكثر المعاجم جمعاً للمادة، وأعظمها أثراً في معاجم النبات التي ألفت فيما بعد.