حـي بن يقظـان
By:
- Synopsis
- فمنهم من بت الحكم وجزم القضية بأن حي بن يقظان من جملة من تكون في تلك البقعة من غير أم ولا أب ومنهم من أنكر ذلك وروى من أمره خبراً نقصه عليك فقال: انه كان بإزاء تلك الجزيرة جزيرة عظيمة متسعة الأكتاف كثيرة الفوائد عامرة بالناس يملكها رجل منهم شديد الأنفة والغيرة وكانت له أخت ذات جمال وحسن باهر فعضلها ومنعها الأزواج إذا لم يجد لها وكان له قريب يسمى يقظان فتزوجها سراً على وجه جائز في مذهبهم المشهور في زمنهم ، ثم إنها حملت منه ووضعت طفلاً ، فلما خافت أن يفتضح أمرها وينكشف سرها وضعته في تابوت أحكمت زمه بعد أن أروته من الرضاع وخرجت به في أول الليل في جملة من خدمها وثقاتها إلى ساحل البحر وقلبها يحترق صبابةً به وخوفاً عليه ثم إنها ودعته وقالت: (اللهم انك خلقت هذا الطفل ولم يكن شيئاً مذكوراً ورزقته في ظلمات الأحشاء وتكفلت به حتى تم واستوى ، وأنا قد سلمته إلى لطفك ورجوت له فضلك خوفاً من هذا الملك الغشوم الجبار العنيد ، فكن له ولا تسلمه يا أرحم الراحمين) ثم قذفت به في اليم. فصادف ذلك جري الماء بقوة المد فاحتمله من ليلته إلى ساحل الجزيرة الأخرى المتقدم ذكرها ، وكان المد يصل في ذلك الوقت إلى موضع لا يصل إليه بعد علم ، فأدخله الماء بقوته إلى أجمة ملتفة الشجر عذبة التربة مستورة عن الرياح والمطر محجوبة عن الشمس تزاور عنها إذا طلعت وتميل إذا غربت ، ثم أخذ الماء في الجزر ، وبقي التابوت في ذلك الموضع وعلت الرمال بهبوب الرياح وتراكمت بعد ذلك حتى سدت فكان المد لا ينتهي إليها وكانت مسامير التابوت قد فلقت وألواحه قد اضطربت عند رمي الماء في تلك الأجمة. فلما أشتد الجوع بذلك الطفل بكى واستغاث وعالج الحركة فوقع صوته في أذن ظبية فقدت طلاها خرج من كناسه فحمله العقاب فلما سمعت الصوت ظنته ولدها. فتتبعت الصوت وهي تتخيل طلاها حتى وصلت إلى التابوت ففحصت عنه بأظلافها وهو ينوء ويئن من داخله حتى طار عن التابوت لوح من أعلاه ، فحنت الظبية وحنت عليه ورئفت به وألقمه حلمتها وأروته لبناً سائغاً ، ومازالت تتعهده وتربيه وتدفع عنه الأذى ، هذا ما كان من ابتداء أمره عند من ينكره التولد ، ونحن نصف هنا كيف تربى وكيف أنتقل في أحواله حتى يبلغ المبلغ العظيم. وأما الذين زعموا أنه تولد من الأرض فإنهم قالوا إن بطناً من أرض تلك الجزيرة تخمرت فيه طينه على مر السنين والأعوام حتى امتزج فيها الحار بالبارد والرطب باليابس امتزاج تكافؤ وتعادل في القوى. وكانت هذه الطينة المتخمرة كبيرة جداً وكان بعضها يفضل بعضاً في اعتدال المزاج والتهيؤ وكان الوسط منها أعدل ما فيها وأتمه مشابهة بمزاج الإنسان: فتمخضت تلك الطينة وحدث فيها شبه نفاخات الغليان لشدة لزوجتها: وحدث في الوسط منها لزوجة ونفاخة صغيرة جداً منقسمة بقسمين بينها حجاب رقيق ممتلئة بجسم لطيف هوائي في غاية من الاعتدال اللائق به فتعلق به عند ذلك الروح الذي هو من أمر الله تعالى وتشبث به تشبثاً يعسر انفصاله عنه عند الحس وعند العقل إذ قد تبين أن هذا الروح دائم الفيضان من عند الله عز وجل وأنه بمنزلة نور الشمس الذي هو دائم الفيضان على العالم ، فمن الأجسام ما لا يستضيء به وهو الهواء الشفاف جداً ومنها ما يستضيء به بعض الاستضاءة وهي الأجسام الكثيفة غير الصقيلة وهذه تختلف في قبول الضياء وتختلف بحسب ذلك ألوانها ومنها ما يستضيء به غاية الاستضاءة وهي الأجسام الصقيلة كالمرآة ونحوها ، فإذا كانت هذه المرآة مقعرة على شكل مخصوص حدث فيها النار لإفراط الضياء.
- Copyright:
- N/A
Book Details
- Book Quality:
- Excellent
- Book Size:
- 2 Pages
- Publisher:
- N/A
- Date of Addition:
- 02/15/12
- Copyrighted By:
- N/A
- Adult content:
- No
- Language:
- Arabic
- Has Image Descriptions:
- No
- Categories:
- Nonfiction, Biographies and Memoirs, Religion and Spirituality, Music
- Submitted By:
- Rachel Antonsen
- Proofread By:
- N/A
- Usage Restrictions:
- This book is in the public domain and is freely available to all.
Reviews
Discover
Other Books
- by ابن طفيل
- in Nonfiction
- in Biographies and Memoirs
- in Religion and Spirituality
- in Music