(وفي ليلة 180) قالت بلغني أيها الملك السعيد أن الفأرة لما سمعت كلام البرغوث قالت إذا كان الكلام علي ما أخبرت فاطمئن هنا وما عليك بأس ولا تجد إلا ما يسرك ولا يصيبك إلا ما يصيبني وقد بذلت لك مودتي ولا تندم على ما فاتك من دم التاجر ولا تأسف على قوتك منه وأرض بما تيسر لك من العيش فإن ذلك أسلم لك وقد سمعت أيها البرغوث بعض الوعاظ ينشد هذه الأبيات: سلكت القناعة والانفراد بكسرة خبز وشربة ماء فإن يسر الله لي عيشتي وقضيت دهري بماذا أتفق وملح جريش وثوب خلق وإلا قنعت بما قد رزق فلما سمع البرغوث كلام الفأرة قال يا أختي قد سمعت وصيتك وأنقذت إلى طاعتك ولا قوة لي على مخالفتك إلى أن ينقضي العمر بتلك النية الحسنة فقالت له الفأرة كفى بصدق المودة في صلاح النية ثم انعقد الود بينهما وكان البرغوث بعد ذلك يأوي إلى فراش التاجر ولا يتجاوز بلغته ويأوي بالنهار مع الفأرة في مسكنها فاتفق أن التاجر جاء ليلة إلى منزله بدنانير كثيرة فجعل يقلبها فلما سمعت الفأرة صوت الدنانير أطلعت رأسها من جحرها وجعلت تنظر إليها حتى وضعها التاجر تحت وسادة ونام فقالت الفأرة للبرغوث أما ترى الفرصة والحظ العظيم فهل عندك حيلة توصلنا إلى بلوغ الغرض من تلك الدنانير فقال لها البرغوث قد التزمت لك باخراجه من البيت ثم انطلق البرغوث إلى فراش التاجر ولدغه لدغة قوية لم يكن جرى للتاجر مثلها ثم تنحى البرغوث إلى موضع يأمن فيه على نفسه من التاجر فانتبه التاجر يفتش على البرغوث فلم يجد شيئاً فرقد على جنبه الآخر فلدغه البرغوث لدغة أشد من الأولى فقلق التاجر وفارق مضجعه وخرج إلى مصطبة على باب داره فنام هناك ولم ينتبه إلى الصباح ثم أن الفأرة أقبلت على نقل الدنانير حتى لم تترك منها شيئاً فلما أصبح الصباح صار التاجر يتهم الناس ويظن الظنون ثم قال الثعلب للغراب واعلم أني لم أقل لك هذا الكلام أنها الغراب البصير العاقل الخبير إلا ليصل إليك جزاء إحسانك إلى كما وصل للفأرة جزاء إحسانها إلى البرغوث فانظر كيف جازاها أحسن المجازاة وكافأها أحسن المكافأة فقال الغراب إن شاء الحسن يحسن أولاً يحسن وليس الإحسان واجباً لمن التمس صلة بقطيعة وأن أحسنت إليك مع كونك عدوى أكون قد أتسبب في قطيعة نفسي وأنت أيها الثعلب ذو مكر وخداع ومن شيمتك المكر والخديعة لا تؤمن على عهد ومن لا يؤمن على عهد لا أمان له وقد بلغني عن قريب أنك غدرت بصاحبك الذئب ومكرت به حتى أهلكته بغدرك وحيلتك وفعلت به هذه الأمور مع أنه من جنسك وقد صحبته مدة مديدة فما أبقيت عليه فكيف أثق منك بنصيحة وإذا كان هذا فعلك مع صاحبك الذي من جنسك فكيف يكون فعلك مع عدوك الذي من غير جنسك وما مثالك معي إلا مثال الصقر مع ضواري الطير فقال الثعلب وما حكاية الصقر مع ضواري الطير فقال الغراب زعموا أن صقراً كان جباراً عنيداً وأدرك شهرزاد فسكتت عن الكلام المباح.